مقاطع اليويتوب النقي المتميزة





TvQuran

السائرون

السائرون





الحمد لله الذي أتم علي مننه , القائل سبحانه ( ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ )1والصلاة والسلام على من أخرجنا الله به من ظلمات الغواية , إلى نور الحق والهداية , القائل : ( بلغوا عني ولو آية )2 , فكان أول المبلغين , وأول الداعين إلى الصراط المستقيم , بعد الأنبياء والمرسلين , فبين ذلك بلسان الحال والمقال , فقد خط يده خطاً ثم ّ قال : هذا سبيل الله , وخط خطين عن يمينه وشماله , وقال : هذه سبل الشيطان , ثم وضع يده في الخط الأوسط وتلا هذه الآية ( وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ )3 وهذا هو الصراط الذي نسال من الله أن يهدينا إليه في كل وقت وحين , أن ِ( اهدنا الصراط المستقيم )4 صراط الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين , فهو الصراط أو الطريق الذي سار فيه الأنبياء ومن بعدهم العلماء ( فهو طريق تعب فيه آدم , وناح لأجله نوح , ورمي في النار الخليل , وأفجع بالذبح إسماعيل , وبيع يوسف بثمن ٍ بخس ولبث في السجن بضع سنين , ونشر بالمنشار زكريا , وذبح السيد الحصور يحي , وقاسى الضر أيوب , وزاد بكاء داوود , وعانى أنواع الأذى محمد صلى الله عليه وسلم )5 فهذا هو طريق الجنة ولاجتيازه لابد من تخطي حواجز الفتنة ( أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ )6وفي هذا الطريق قد يواجهنا عراقيل وعقبات وفتن ٌ ومغريات , ولا بد أن يكون هذا الطريق كذلك , والناس إما ناج ٍ موفق أو مفتون ٌ هالك , فهو طريق محفوف بالمكاره , وعلى جانبيه سبل الغواية وهي محفوفة بالشهوات , وعلى كل سبيل شيطان يدعوا إليه ( دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها )7 فمنهم من يدعوا إلى العلمانية , وآخر يدعوا إلى الشيوعية , وثالث يدعوا إلى الإباحية , ورابع وخامس ... وكلها طرق متفرعة من صراط المغضوب عليهم وهم اليهود والنصارى , ومن لف لفهم ووالاهم فهو منهم ( هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ )8 قال تعالى ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا, إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا )9
فعلينا ان نسير في طريق الحق الذي دلنا عليه سيد الخلق , قال تعالى مخاطباً النبي صلى الله عليه وسلم ( وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ )10وعلينا التزام المنهاج , الذي به الخير والسداد , وان نعد الزاد والعتاد , وأن نكون على أهبة الاستعداد , فالمنهاج كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم القائل : ( تركت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما: كتاب الله وسنتي )11 وأما الزاد فخيره ما أمر به العلي الأقوى فقال ( وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى )12واما الاستعداد فإيمان وعمل صالح بإخلاص ومتابعة , قال تعالى ( فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا )13 وأما رفقاء الطريق فهم أولئك الناصحون الذين إذا أخطأت دلوك , وإذا ضللت أرشدوك , قال رب العالمين ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ )14
هذا وإن السائرين في الطريق المستقيم أصناف :
فمنهم
الدعاة العاملين لهذا الدين , الذين يجمعوا ولا يفرقوا شعارهم : (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ )15
فأقول لهم :
سيروا في طريقكم بتأني وروية , ولا تنسوا قبل كل شيء بأن تخلصوا لله النية , وسيروا على نهج وسنة خير البرية , ولا تنظروا إلى من حولكم نظرة حزبية , فإنه لا حزبية غير العصبية , بل انظروا إليهم بأنهم أخواناً , ليسوا ببعيد أن يكونوا غداً في صف الدعوة معنا أعواناً
وأما الصنف الثاني :
فهم أولئك المعترضين للطريق والذين نصبوا أنفسهم قضاة لا دعاة , وإنما مثلهم كحجر عثرة تريد أن تعترض سير الدعوة , وأنى لهم ذلك ( إن الطحالب العائمة على سطح الماء لا تستطيع إن توقف سير السفن العابرة )16
فأقول لهم :
( إن لم تدعوا وتؤثروا فلا تنمنموا وتثرثروا )17ومن صالح العمل فأكثروا
وأما الصنف الثالث :
فهم أولئك المثبطين الذين لا همة لهم , وإن كان هناك ثمة همه ففي الفلس والطين , يريدون نصر من غير جهاد , وتمكين من غير استشهاد , رضوا لأنفسهم بالدنية , وتركوا تلك الدرجات العلية
فأقول لهم :
( رحلة ألف ميل تبدأ بخطوة واحدة )18, ( وأن من استطال الطريق ضعف مشيه )18
( وان سهر الحراس يهون إذا علموا أن أصواتهم بسمع الملك )19
وأما الصنف الرابع :
فهم أولئك المنهزمين , الذين لما تقدموا خطوة تراجعوا عشرات الخطوات إلى الوراء , إذا رفضتهم الدنيا جاءوا ليطلبوا الدين وادعوا أنهم له من العاملين , وإذا نادتهم الدنيا وتزينت رجعوا إليها مستسلمين , من الزحف فروا , وبعد أن انتفعوا أضروا , ويا ليتهم لما وجدوه أو لمسوه أقروا (كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا )20
فأقو لهم :
( إنما الأعمال بخواتيمها )21وأنه لا حياة إلا في خدمة هذا الدين , أو الموت في خندق المسلمين
وأما الصنف الخامس :
فلسان حال الواحد منهم ( إني سائر ٌ في الطريق وحدي وهكذا كان أبي وجدي )
فسأقول له :
إن هذا كلام لا يجدي , ( فإن الذئب لا يأكل إلا من الغنم القاصية )22 وهي لكم درع ٌ ومناعة , فهذا منهاجنا وهذا طريقنا ارتضيناه بكل قناعة
فنسأل من الله بأن نكون نحن السائرون , بعون الله جل في علاه
ونعوذ بالله أن نكون من أولئك المعترضين أو المثبطين أو المنهزمين , ونسأل منه سبحانه أن يجعل منتهانا جنات النعيم
-------------------








1 سورة النحل آية 125
2 رواه البخاري في صحيحه وغيره من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما
3 سورة الأنعام 153
4 سورة الفاتحة آية 6
5 من كلام ابن القيم في كتاب الفوائد بتصرف يسير
6 سورة العنكبوت آية 2
عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال :7
كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني، فقلت: يا رسول الله، إنا كنا في الجاهلية وشر، فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: (نعم). قلت: وهل بعد ذلك الشر من خير؟ قال: نعم، وفيه دخن). قلت وما دخنه؟ قال: (قوم يهدون بغير هديي، تعرف منهم وتنكر). قلت: فهل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: (نعم، دعاة إلى أبواب جهنم، من أجابهم إليها قذفوه فيها). قلت: يا رسول الله، صفهم لنا؟ فقال: (هم من جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا). قلت: فما تأمرني إن أدركني ذلك؟ قال: تلزم جماعة المسلمين وإمامهم، قلت: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال: (فاعتزل تلك الفرق كلها، ولو أن تعض بأصل شجرة، حتى يدركك الموت وأنت على ذلك . رواه البخاري ومسلم وهذه رواية البخاري
8 سورة المنافقون آية 4
9 سورة النساء آية 168- 169
10 سورة الشورى آية 52
11 رواه الحاكم في مستدركه عن أبي هريرة
12 سورة البقرة آية 197
13 سورة الكهف آية 110
14 سورة التوبة آية 119
15 سورة التوبة آية 105
16 ممد الغزالي
17 عائض القرني بتصرف والأصل ( إن لم تدعوا وتؤثر فلا تنمنم وتثرثر ) من شريط مصارع العشاق
18 مثل صيني
18 ابن القيم كتاب الفوائد
19 ابن القيم كتاب الفوائد
20 سورة النحل آية 92
21 رواه البخاري
22 جزء من حديث رواه أبو داوود بإسناد ٍ حسن







ترابـ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ